الأستاذ نعوم سحّار الموصلي (1855-1900
الأستاذ نعوم سحّار الموصلي (1855-1900 ) من شخصيات مدينة الموصل أيام زمان بقلم: بهنام سليم حبابه يذكر لنا التاريخ مقولة جميلة نعتز بها وهي: (إن من أقام في الموصل حولاً وتفقَّد عقله، لوجد فيه فضلاً)، ولا عجب في ذلك فإن مدينتنا الموصل، أم الربيعين العزيزة قد أنجبت العديد من الكبار في كلِّ صنف ومنهم الأستاذ نعوم فتح الله سحّار، مترجم الرواية التمثيلية الشهيرة (لطيف وخوشابا)، عن اللغة الفرنسية! فمن هو هذا هو الأستاذ والمعلم الفريد؟ هو أحد أبناء مدينة الموصل، من أتباع الكنيسة الكلدانية. ولادته سنة 1855، دارهم قرب كنيسة ما توما. دخل في صباه مدرسة الآباء الدومنكان وتعلّم فيها دروس اللغة العربية كما أتقن اللغة الفرنسية. واختاره الآباء المذكورون معلماً في المدرسة بعد تخرجه فيها، لما توسموه فيه من نشاط وذكاء وشخصية مرموقة. وجعلوه مشرفاً على التعليم وكذلك على أعمال الطباعة (وتشهد بذلك صورته في المطبعة مع العمال)، كما اتخذه الآباء الدومنكان كذلك وكيلاً عاما عن أمور الدير لدى الحكومة العثمانية، واستطاع القيام بتلك المسؤوليات بكل جدارة، نظراً لشخصيته المقتدرة ومعلوماته، وتمكن في سنوات خدمته التعليمية أن يربي تلاميذ كثيرين أعجبوا بأستاذهم نعوم وتنادوا للاحتفال بعيد يوبيله الفضي لذكرى مرور (25سنة) على نهوضه بمهمة التعليم (وذلك في 1900)، لكنه يمرض فجأة ولا يلبث ان يفارق الدنيا سنة 1900 عينها، وقد أنجب ولداً يافعاً اسمه (فضيل)، أصبح بعدئذِ محاسب رئاسة الصحة في الموصل، وأنجب فضيل ولداً هو فيما بعد طبيب القلب الاختصاصي في بغداد (نعمت السحار)، رحمهم الله جميعاً. - من مآثر الأستاذ نعوم أنه قام بتأليف بعض الكتب، كان من أبرزها كتاب (أحسن الأساليب لإنشاء الصكوك والمكاتيب) الذي طبع في مطبعة الآباء الدومنكان سنة 1898، لبيان الأساليب العربية في الكتابة والتحرير يوم كانت اللغة التركية هي المسيطرة في عهد الاستعمار العثماني. كما وضع كتاباً آخر نشر عام 1892 عنوانه (مجموع فوائد) باللغة التركية. وكذلك كتاب (القراءة والمكالمات) بالتركية والعربية سنة 1896، وكتاب (التحفة السنية لطلاب اللغة العثمانية) في جزئين. وكان لنعوم سحار سهم في الشعر ورد له ذلك في كتاب تاريخ الموصل للقس سليمان صايغ (جزء2 –ص272) ومنه في المديح قوله: يا سيّداً مَلَكَ القلوبَ بلطفه وبحلمهِ حازَ الرئاسةَ والتقى لستُ أنا ممن يرومُ بشعره أخذَ الجوائزِ أو فِخاراً ريِّقا فالوردُ أضحى باسماً متهللاً والطَّلُّ في سائرِ الغصونِ تـَرَقرقا هبَّ النسيمُ محركاً أفنانها فنما أريج الزَّهرِ فيها وعبَّقا وترنمت أطيارها في دوحها سِحراً فهيَّجتِ الفؤادَ الشَّبِقا بسمت أزاهـِرها على كثبانها وشدا هزار السَّعدِ فيها وشَقشَقا وكذا البلابلُ غرَّدَت ألحانها طرباً وغنى العندليبُ وصفّقا فمن مطالعة هذه الأبيات الشعرية نرى أن المعلم نعوم سحّار كانت له هواية في الشعر العربي، ولكن من طراز تلك الأيام! هذه المواهب الجميلة وتلك المسؤوليات الكبيرة التي جمعها الأستاذ نعّوم في شخصيته المرموقة، جعلت منه نموذجاً للرجل العَلَم! يبدو ذلك من هيئته المهيبة وطلعته الشخصية العالية المقام. - يضاف إلى تلك المزايا إنه من أُسرة كريمة في المجتمع الموصلي، تفاخر بسيّدٍ جليل، هو مار يوحنا سحّار (مطران العمادية وعقرة) وهو الأخ الأكبر للمعلم نعّوم. خدم هذا الحبر الجليل في كنيسة البصرة سنين عديدة، ثم ارتقى كرسي الأسقفية منذ سنة 1893 وكان مشهوداً له بالغيرة الأبوية في خدمة الشعب، الأمر الذي أثار حفيظة أعداء الإنسانية في منطقة خدمته، فقد شاع أن بعضهم دسَّ له السم في القهوة ومات بسبب ذلك يوم 13 حزيران 1909 في عقرة كرسي أسقفيته، وهكذا مضى شهيد الحقد والظلم "وتكونون مبغوضين عند كل أحد من أجل اسمي". - - وهذه الصورة المرفقة يبدو فيها المطران يوحنا سحّار وعن شماله أخوه الأستاذ نعوم وعن يمينه القس فرنسيس داؤد الذي خلَفَه في الأسقفية على العمادية سنة 1910 (وهو المطران فرنسيس داؤد). - أما صورة الأستاذ نعوم فواضحة من طلعته الشخصية وفي مراقبته هيئة المطبعة للآباء الدومنكان، فهو كامل القيافة وعلى رأسه الطربوش المعروف مع العباءة الشرقية وسائر الملابس التقليدية في تلك الأيام، مع ساعة الجيب بسلسلتها ومفتاحها الضروري لنصبها! - وبعدُ. هذا خبر مختصر عن نعّوم سحّار مترجم رواية (لطيف وخوشابا) التي جرى تمثيلها على مسرح مدرسة الآباء سنة 1890، كما طبعها مترجمها في 1890 وجاءت بثمانين صحيفة (كنت أحتفظ بنسخة منها). - وقيل في حينه إن تلك التمثيلية نالت استحسان الأهالي وتكلم الناس عنها كثيراً، حيث عالجت موضوعاً تربوياً وأخلاقياً قلَّ ما عولج في تلك الفترة. (وكان الدكتور صالح جواد الطعمة الذي اطـّلع على تلك المسرحية في إحدى مكتبات الولايات المتحدة، فقام بتحليلها ثم نشر عنها مقالاً طويلاً في مجلة الأديب البيروتية 0عدد مايو 1995)- ( عن حاشية ص77 من كتاب الآباء الدومنكان). - كما ترجم سحّار رواية أخرى عن الفرنسية عنوانها (الأمير الأسير) جرى تمثيلها سنة 1895 (عن الفكر المسيحي عدد22 1973). - المصادر: كتابنا: الآباء الدومنكان.. أخبارهم وخدماتهم ص76 وما بعدها. وتاريخ الموصل جزء2. - وقد ورد اسم المعلم نعوم سحار مسرحيًا مرموقًا لدى الأستاذ الدكتور علي مهدي الربيعي، عميد كلية الفنون الجميلة، جامعة الحلة، وذلك في مؤلفاته الثلاثة: المسرحيات المفقودة، 2014. المسرح المسيحي في العراق، 2015. مسرحيات نعوم فتح الله سحار المفقودة، 2015. هذا مع تحيتي واعتباري للصديق الكريم أ.د.علي مهدي لجهوده الكبيرة في هذا المجال. وشكرًا جزيلا مجددًا عن إهدائي المؤلفات المذكورة أعلاه.